الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (67- 76): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)}{فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان} يعني فيهما من أنواع الفواكه كلها وإنما عطف النخل والرمان بالواو وإن كانا من جملة الفواكه تنبيهاً على فضلهما وشرفهما على سائر الفواكه وعلى هذا القول عامة المفسرين وأهل اللغة قالوا إنما فضلهما بالذكر للتخصيص والتفضيل فهو كقوله من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال خصهما بالذكر وإن كان من جملة الملائكة لشرفهما وفضلهما وقيل بعضهم ليس النخل والرمان من الفواكه لأن ثمرة النخل فاكهة وطعام وثمرة الرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه ولهذا قال أبو حنيفة إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رطباً أو رماناً لم يحنث وخالفه صاحباه وهذا القول خلاف قول أهل اللغة ولا حجة له في الآية وروى البغوي بسنده عن ابن عباس موقوفاً قال نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرمها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها حللهم وثمرها مثل القلال أو الدلاء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم وروي أن الرمانة من رمان الجنة مثل البعير المقتب وقيل إن نخل أهل الجنة نضيد وثمرها كالقلال كلما نزعت منها واحدة عادت مكانها أخرى العنقود منها اثني عشر ذراعاً، {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن} أي في الجنان الأربع {خيرات حسان} روي عن أم سلمة قالت قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله خيرات حسان قال: «خيرات الأخلاق حسان الوجوه»، {فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات} أي مخدرات مستورات لا يخرجن لكوامتهن وشرفهن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحاً ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» وقيل قصرن أطرافهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلاً {في الخيام} قيل هي البيوت. قال ابن الأعرابي الخيمة لا تكون إلا من أربعة أعواد ثم تسقف بالثمام ويقال خيم فلان خيمة إذا بناها من جريد النخل وخيم بها إذا قام بها وتظلل فيها وقيل كل خيامها من در ولؤلؤ وزبرجد مجوف تضاف إلى القصور في الجنة.(ق) عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء وفي رواية عرضها ستون ميلاً للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً» {فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} تقدم تفسيره، {فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر} قيل الرفرف رياض الجنة خضر مخصبة ويروى هذا عن ابن عباس وقيل إن الرفرف البسط، وعن ابن عباس الرفرف فضول المجالس والبسط منه وقيل هي مجالس خضر فوق الفرش وقيل هي المرافق وقيل الزرابي وقيل كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف {وعبقري حسان} قيل هي الزرابي والطنافس الثخان وقيل هي الطنافس الرقاق وقيل كل ثوب موشى عند العرب فهو عبقري وقال الخليل كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم فهو عبقري عند العرب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر: «فلم أر عبقريا يفري فريه» وأصل هذا فيما قيل إنه نسب إلى عبقر وهي أرض يسكنها الجن فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع عجيب وذلك أن العرب تعتقد في الجن كل صفة عجيبة وأنهم يأتون بكل أمر عجيب ولما كانت عبقر معروفة بسكنى الجن نسبوا إليها كل شيء عجيب بديع..تفسير الآيات (77- 78): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}{فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} قيل لما ختم نعم الدنيا بقوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وفيه إشارة إلى أن الباقي هو الله تعالى وأن الدنيا فانية ختم نعمة الآخرة بهذه الآية وهو إشارة إلى تمجيده وتحميده.(م) عن ثوبان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» أخرجه أبو داود والنسائي غير قولها لم يقعد إلا مقدار ما يقول والله أعلم بمراده..سورة الواقعة: .تفسير الآيات (1- 8): {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8)}قوله عز وجل: {إذا وقعت الواقعة} يعني إذا قامت القيامة وقيل إذا نزلت صيحة القيامة وهي النفخة الأخيرة وقيل الواقعة اسم للقيامة كالآزفة، {ليس لوقعتها} يعني لمجيئها {كاذبة} يعني ليس لها كذب والمعنى أنها تقع حقاً وصدقاً وقيل معناه ليس لوقعتها قصة كاذبة أي كل ما أخبر الله عنها وقص من خبرها قصة صادقة غير كاذبة وقيل معناه ليس لوقعتها نفس كاذبة أي إن كل من يخبر عن وقوعها صادق غير كاذب لم تكذب نفس أخبرت عن وقوعها، {خافضة رافعة} أي تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة وقال ابن عباس تخفض أقواماً كانوا في الدنيا مرتفعين وترفع أقواماً كانوا في الدنيا مستضعفين وقيل تخفض أقواماً بالمعصية وترفع أقواماً بالطاعة، {إذا رجت الأرض رجاً} أي إذا حركت وزلزلت زلزالاً وذلك أن الله عز وجل إذا أوحى إليها اضطربت فرقاً وخوفاً قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها وينكسر كل ما فيها من جبال وغيرها وهو قوله تعالى: {وبست الجبال بسا} أي فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول وقيل صارت كثيباً مهبلاً بعد أن كانت شامخة وقيل معناه قلعت من أصلها وسيرت على وجه الأرض حتى ذهب بها {فكانت هباء منبثاً} أي غباراً متفرقاً كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة وهو الهباء، {وكنتم أزواجاً} أي أصنافاً {ثلاثة} ثم فسر الأزواج فقال تعالى: {فأصحاب الميمنة} يعني أصحاب اليمين.والميمنة ناحية اليمين وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله تعالى: «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي» وقيل هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم وقيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم وكانت أعمالهم صالحة في طاعة الله وهم التابعون بإحسان {ما أصحاب الميمنة} تعجيب من حالهم في السعادة. والمعنى أي شيء هم..تفسير الآيات (9- 16): {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}{وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} يعني أصحاب الشمال وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال الله تعالى لهم: «هؤلاء إلى النار ولا أبالي» وقيل هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم وقيل هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمالهم في المعاصي لأن العرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى، {والسابقون السابقون} قال ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة السابقون في الآخرة إلى الجنة وقيل هم السابقون إلى الإسلام وقيل هم الذين صلوا إلى القبلتين من المهاجرين والأنصار وقيل هم السابقون إلى الصلوات الخمس وقيل إلى الجهاد وقيل هم المسارعون إلى التوبة وإلى ما دعا الله إليه من أعمال البر والخير وقيل هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.فإن قلت لمَ أخر ذكر السابقين وكانوا أولى بالتقديم عن أصحاب اليمين.قلت فيه لطيفة وذلك أن الله تعالى ذكر في أول السورة من الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفاً لعباده فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب وإما مسيء فيرجع عن إساءته خوفاً من العقاب فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا ويرغبوا ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من جهنم ثم أثنى على السابقين فقال تعالى: {أولئك المقربون} يعني من الله في جواره وفي ظل عرشه ودار كرامته وهو قوله: {في جنات النعيم} قوله تعالى: {ثلة} أي جماعة غير محصورة العدد، {من الأولين} يعني من الأمم الماضية من لدن آدم إلى زمن نبينا {وقليل من الآخرين} يعني من هذه الأمة وذلك لأن الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوهم من الأمم الماضية أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وقيل إن الأولين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل من الآخرين أي ممن جاء بعدهم من الصحابة، {على سرر موضونة} أي منسوجة من الذهب والجوهر وقيل موضونة يعني مصفوفة {متكئين عليها} أي على السرر {متقابلين} يعني لا ينظر بعضهم في قفا بعض وصفوا بحسن العشرة في المجالسة وقيل لأنهم صاروا أرواحاً نورانية صافية ليس لهم أدبار وظهور..تفسير الآيات (17- 23): {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)}{يطوف عليهم} أي للخدمة {ولدان} أي غلمان {مخلدون} لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون ولا ينتقلون من حالة إلى حالة وقيل مخلدون مفرطون والخلد القرط وهو الحلقة تعلق في الأذن واختلفوا في هؤلاء الولدان فقيل هم أولاد المؤمنين الذين ماتوا أطفالاً وفيه ضعف لأن الله أخبر أنه يلحقهم بآبائهم ولأن من المؤمنين من لا ولد له فلو خدمه ولد غيره كان منقصة بأبي الخادم وقيل هم صغار الكفار الذين ماتوا قبل التكليف وهذا القول أقرب من الأول لأنه قد اختلف في أولاد المشركين على ثلاثة مذاهب فقال الأكثرون هم في النار تبعاً لآبائهم وتوقف فيهم طائفة والمذهب الثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ولكل مذهب دليل ليس هذا موضعه، وقيل هم أطفال ماتوا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها ومن قال بهذه الأقوال يعلل بأن الجنة ليس فيها ولادة والقول الصحيح الذي لا معدل عنه إن شاء الله إنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور وإن لم يولدوا ولم يحصلوا عن ولادة أطلق عليهم اسم الولدان لأن العرب تسمي الغلام وليداً ما لم يحتلم والأمة وليدة وإن أسنت، {بأكواب} جمع كوب وهي الأقداح المستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرا {وأباريق} جمع إبريق وهي ذوات الخراطيم والعرا سميت أباريق لبريق لونها من الصفاء وقيل لأنها يرى باطنها كما يرى ظاهرها، {وكأس من معين} أي من خمرة جارية {لا يصدعون عنها} أي لا تصدع رؤوسهم من شربها وعنها كناية عن الكأس وقيل لا يتفرقون عنها {ولا ينزفون} أي لا يغلب على عقولهم ولا يسكرون منها وقرئ بكسر الزاي ومعناه لا ينفد شرابهم، {وفاكهة مما يتخيرون} أي يأخذون خيارها {ولحم طير مما يشتهون} قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيطير ممثلاً بين يديه على ما اشتهى وقيل إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير.فإن قلت هل في تخصيص الفاكهة بالتخير واللحم بالاشتهاء بلاغة؟قلت نعم وكيف لا وفي كل حرف من حروف القرآن بلاغة وفصاحة والذي يظهر فيه أن اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم وإذا حضرا عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة فالجائع مشته والشبعان غير مشته بل هو مختار وأهل الجنة إنما يأكلون لا من جوع بل للتفكه فميلهم إلى الفاكهة أكثر فيتخيرنها ولهذا ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن بخلاف اللحم وإذا اشتهاه حضر بين يديه على ما يشتهيه فتميل نفسه إليه أدنى ميل ولهذا قدم الفاكهة على اللحم والله أعلم، {وحور عين} أي ويطوف عليهم حور عين وقيل لهم حور عين وجاء في تفسير حور أي بيض عين أي ضخام العيون {كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي المخزون في الصدف المصون الذي لم تمسه الأيدي ولم تقع عليه الشمس والهواء فيكون في نهاية الصفاء روي «أنه سطع نور في الجنة فقيل ما هذا؟ قيل ضوء ثغر حوراء ضحكت» وروي «أن الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ يصران بالتسبيح»..تفسير الآيات (24- 31): {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)}{جزاء بما كانوا يعملون} أي فعلنا ذلك بهم جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعتنا {لا يسمعون فيها} أي في الجنة، {لغواً} قيل اللغو ما يرغب عنه من الكلام ويستحق أن يلغى وقيل هو القبيح من القول والمعنى ليس فيها لغو فيسمع {ولا تأثيماً} قيل معناه أن بعضهم لا يقول لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم كما يتكلم به أهل الدنيا وقيل معناه لا يأتون تأثيماً أي ما هو سبب التأثيم من قول أو فعل قبيح {إلا قيلاً} معناه لكن يقولون قيلاً أو يسمعون قيلاً {سلاماً سلاماً} يعني يسلم بعضهم على بعض وقيل تسلم الملائكة عليهم أو يرسل الرب بالسلام إليهم وقيل معناه أن قولهم يسلم في اللغو.ثم ذكر أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} لما بين حال السابقين شرع في بيان حال أصحاب اليمين فقال تعالى: {في سدر مخضود} أي لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي قطع ونزع منه وهذا قول ابن عباس وقيل هو الموقر حملاً قيل ثمرها أعظم من القلال وهو النبق قيل لما نظر المسلمون إلى وج وهو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا ليت لنا مثل هذا فأنزل الله هذه الآية: {وطلح} قيل هو الموز عند أكثر المفسرين وقيل هو شجر له ظل بارد طيب وقيل هو شجر أم غيلان له شوك ونور طيب الرائحة فخوطبوا ووعدوا بمثل ما يحبون ويعرفون إلا أن فضله على شجر الدنيا كفضل الجنة على الدنيا {منضود} أي متراكم قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره ليست له سوق بارزة بل من عروقه إلى أغصانه ثمر وليس شيء من ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا مثل الباقلاء والجوز ونحوهما بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه، {وظل ممدود} أي دائم لا تنسخه كظل أهل الدنيا وذلك لأن الجنة ظل كلها لا شمس فيها.(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرؤوا إن شئتم وظل ممدود» وعن ابن عباس في قوله وظل ممدود قال شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها فيشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل ريحاً من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا {وماء مسكوب} أي مصبوب يجري دائماً في غير أخدود ولا ينقطع.
|